العائلة
وبناء دكتاتورية
كنت اقضي
طوال وقت فراغي مع ابناء الجيران لنلعب ونتبادل
الحكايا و القصص لم تختلف عائلة جيراني عن باقي العوائل في شئ كنت اكره ابوهم
كثيرا لان حضوره للمنزل كان يعني نهاية اللعب ، كان والدهم مرعب جدا ضخم الجثة و
اصلع الرأس صاحب شارب ضخم ولا يبتسم ابداً كنت اخاف منه كما يخاف منه اولاده كان
حضوره يعني الرعب والرهبة .. لم يكن هذا حال اولاد هذا الرجل فقط و انما كان هذا
حال اغلب اولاد الحي فهم يرتعبون من الاب دون مبرر حتى و ان لم يرتكبوا اي خطأ .
لم اكن اعلم
لماذا يهابون اباءهم لهذا الحد الجنوني و يرتجفون لدى رؤيته فقد كانت عائلتي تختلف
تماما .. اما اليوم فقد فهمت المشكلة يبدو ان اغلب العوائل العراقية و العربية عموما
تصنع الرعب في نفوس الاطفال من اباءهم وذلك من خلال العقوبات التي ما انزل الله
بها من سلطان في اقل زلة من الطفل .. كل شئ في العائلة العربية و العراقية يقود
الى الدكتاتورية فليس من حق احد ابداء رأيه ولا النقاش مع الاب ولا حتى التقرب منه
.
هذا
الرعب يستمر مع الطفل حين دخول المدرسة ، فالمعلم المتخرج من عائلة كهذه يحاول فرض
دكتاتوريته على الصف فيستعمل نفس طريقة الترهيب التي مارسها ابوه عليه ليقلل من
الحنق الذي بقلبه تجاه والده فهو سيبقى مريض نفسيا من اثر ما مورس ضده من ترهيب في
الطفولة .
لازلت
اذكر ان الكبار من الاقارب كانوا يحكون لنا عن الاخلاق ايام زمان ويمتدحون ذلك
الزمن وغالبا ما يقصون قصة المعلم حيث يحكون انهم في ذلك الزمن كانوا يهربون ما ان
يروا المعلم من بعيد و يتركون اللعب وان رأهم يوما على قارعة الطريق وهم يلعبون
فأن عقابهم عسير في اليوم التالي .. لا اعرف وجه الخلق و الاخلاق من ذلك هل بث
الرعب في نفس الطفل من حسن الاخلاق !!!
وقصة
اخرى حول اسطوات البناء ايام زمان حيث كانوا يروون ان الاسطه كان مرعبا للعمال فأذا
تأخر العامل في اعطاءه مواد البناء فأنه ما ان يستلمها حتى يرميها على العامل غير
مبالي بما قد يصيب العامل المسكين .. لا اعرف اين هي الاخلاق التي يملكها ذلك
الرجل الذي لازالوا يمتدحوه
الحديث
عن التعامل مع الاطفال في العائلة العراقية و العربية يثير الشجون ، فالبيت هو
مصنع الدكتاتوريات ، طفل يتخرج من تحت يد اب دكتاتور ، يكبر فيكون مضطرب نفسيا
ويحاول ممارسة ما عاناه في طفولته على عائلته و اطفاله او على موظفيه او عماله في
العمل ماهو حال المجتمع الذي يبنى بهذه الطريقة يا ترى ؟؟؟
النتيجة
هو المجتمع الذي نعيش فيه اليوم مصانع صغيرة للدكاتوريات يحكمها الاب
فتكبرالدكتاتورية لتجمع مجموعة عوائل فيحكمها شيخ العشيرة و تكبر لتكون طائفة
فيحكمها رجل الدين و تكبر فتحكمها المرجعية الدينية و هكذا تكبر و تكبر حتى تصل
الى ادارة الدولة العليا .
يبدو
يقينا ان المجتمع لن يتغير ما لم تتغير العائلة نفسها فهي اللبنة الاولى في بناء
المجتمعات ، اليوم العائلة العراقية خاصة و العربية عموما تحتاج الى التثقيف في
طريقة التعامل مع العائلة و الاطفال و المعلم بحاجة الى الرقابة و التوعية في
طريقة التعامل وبالتدريج حتى تصل التوعية و التثقيف بهذا المجال الى كل افراد
المجتمع وبذلك يمكن ان يتكون بعد عشرات السنوات وتبدل الاجيال مجتمع نموذجي قادر
على فهم المعنى الحقيقي للديمقراطية و يستوعب التعامل بعيدا عن التفرد و الدكتاتورية.
مناف البصري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق